الثلاثاء، 19 أبريل 2011

الحديث المرسل وانوعه .

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد ادم المبعوث رحمة للعالمين وبعد....
فإن علم الحديث علم رفيع القدر ،عظيم الفخر ،شريف الذكر ,لا تفنى محاسنه على مر الأزمان ,ولا يعتني به كل ذي لب حصيف .
وان من جملة ماخص الله به الأمة الإسلامية من الخصائص الكثيرة وميزها به من الفضائل
العظيمة هو خصيصة الإسناد الذي انفردت به دون سائر الأمم وجميع الطوائف والملل
والنحل عن طريقة استمرت صلتها برسولها صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح ،فلا يوجد امة من الأمم لها إسناد يربطها بنبيها وماضيها سوى امة الإسلام .
ومن المعلوم انه بدراسة السند واتصاله يتميز الصحيح من السقيم والمقبول من المردود .
ومن الأحوال التي تعتري السند صفة الإرسال ,وقد دار حولها نقاش كثير بين أهل العلم ,واختلفت أرآهم وتباينت أفكارهم وتعارضت أقوالهم .
ولذا قمت بهذا البحث المتواضع يكشف عن بعض هذه المسائل المتعلقة بهذا الموضوع .
حيث يتضمن هذا البحث تعريف المرسل لدى العلماء ,ويعرض مذاهب العلماء في قبول الحديث المرسل أو رده ، ثم بينت حقيقة مرسل الصحابي وحجية ,ويتطرق أيضا المرسل الخفي ,ونشأته وتعريفاته عند العلماء والفرق بينه وبين التدليس ، وحجية المرسل الخفي .

وقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول على النحو الآتي :
الفصل الأول:الحديث المرسل وحجيته ,ويتضمن ثلاثة مباحث :
المبحث الأول :تعريف المرسل لغة واصطلاحا .
المبحث الثاني :حكم قبول المرسل .
المبحث الثالث :تعارض الوصل والإرسال .

الفصل الثاني :مرسل الصحابي وحجيته ,ويتضمن مبحثين :
المبحث الأول :تعريف مرسل الصحابي لغة واصطلاحا .
المبحث الثاني :حجية مرسل الصحابي .
الفصل الثالث : المرسل الخفي ويتضمن مبحثين :

المبحث الأول :المرسل الخفي لغة واصطلاحا .
المبحث الثاني :حجية المرسل الخفي :
الخاتمة .

هذا وأسال الله أن يلهمنا الصواب والإخلاص في القول والعمل ,وما كان فيه من خير وصواب فهو من توفيق الله تعالى وحده , وما كان فيه غير ذلك فمرده إلى نفسي الخاطئة المقصرة في الاجتهاد والعلم0















الفصل الاول :الحديث المرسل.
المبحث الأول :المرسل لغة واصطلاحا .
المطلب الأول : لغة .
تطلق هذه الكلمة في اللغة على عدة معاني :
1- الراء والسين واللام أصلٌ واحدٌ مطّردٌ مُنْقاس، يدلُّ على الانبعاث والامتداد. فالرَّسْل: السَّير السَّهل. وناقةٌ رَسْلَةٌ: لا تكلِّفك سِياقاً. وناقة رَسْلَهٌ أيضاً: ليِّنة المفاصل. وشَعْرٌ رَسْلٌ، إذا كان مُسترسِلا .
إذا فلإطلاق والانبعاث فكأن المُرسِل أَطْلَقَ الإسناد ولم يقيده براوٍ معروف.

2- تطلق ( الرّسَلُ ) على معنى القطيع من كل شي ، وجمعه أرسالا ،يقال : (جاء القوم أرسالا ً ) أي قطيعا يتبع بعضهم بعضا .
فكأنه تصور من هذا اللفظ الاقتطاع فقيل للحديث الذي قطع إسناده وبقي غير متصل مرسل أي كل طائفة منهم لم تلق الأخرى ولا لحقتها .

3 - ويطلق ( الاسترسال ) على الطمأنينة ، اى الإنسان ، والأنس إليه ، والثقة .
فكان المرسل للحديث اطمأن إلى من أرسل عنه ووثق به لمن يوصله إليه وهذا اللائق بقول

4 - يقال في اللغة (ناقة مرسال ) أي سريعة السير .

المطلب الثاني :المرسل في اصطلاح المحدثين .

اختلف المحدثون في تعريف الحديث المرسل إلى أكثر من قول ، استطيع أن أقول أنها انه قولين مع الاختلاف في كل قول .

القول الأول :
ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه الصورة صرَّح بها عددٌ من أهل العلم من أمثال الإمام الشافعي -رحمه الله- ، وقد ذكر ذلك ابن الصلاح ، وكما أشار إليه الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد .
لا يكون حديث صغار التابعين مرسلا بل يسمى منقطعا لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الإثنين فأكثر روايتهم عن التابعين .

القول الثاني :
هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي ، فيقول التابعي : قال رسول الله .
وهذا القول قال به عدد كبير من المحدثين ، ،الحاكم ، والعراقي ، وابن حجر ، والسخاوي .
سواءٌ كان ذلك التابعي من كبار التابعين أو من صغارهم ، وسواءٌ كان المرفوع قولاً أو فعلاً.
وقد نقل الحاكم الإجماع أن "المرسل" ما رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً سواء كان كبيراً أو صغيراً ، حيث يقول في معرفة علوم الحديث : "فإن مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ."

هنا يرد إشكال ، وهو:
كيف نجمع بين ما قاله أعيان المحدثين المذكورين آنفاً: (بأنهم يطلقون "المرسل" على كل منقطع) ، وبين نقل الحاكم لإجماع المحدثين: (بأنهم يطلقون "المرسل" على ما رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)؟؟
(والجواب عليه):
1- أن كلام الحاكم -رحمه الله- المنقول: كان في سياق ذكر (المرسل الذي قوي الاختلاف في الاحتجاج به) لا على مطلق المرسل.
2- أن فعل الحاكم -رحمه الله- نفسه في كتبه كالمستدرك والمدخل إلى معرفة الإكليل وغيرهما: (كان يُطلق المرسل على المنقطع) في مواطن كثيرة.
مما يدل على أن عبارته المذكورة لا يقصد بها على أن المحدثين أجمعوا على أن هذا هو المرسل وما سواه ليس بمرسل ، وبذلك يزول الإشكال.

وتعقَّب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هذا التعريف ، وذلك: لأنه يدخل فيه ما سمعه بعض الناس في حال كفره من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أسلم بعد ذلك ، وحدَّث عنه بما سمعه منه ، كالتنوخي رسول هرقل ، فإنه مع كونه تابعياً ، محكوم لما سمعه بالاتصال لا الإرسال ، ولذلك ذكر الحافظ -رحمه الله- في النكت: أنه ينبغي أن يُضاف في هذا الحد ما يخرج ذلك بحيث يقال: (هو ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مما سمعه من غيره).
وقد اعتذر لهم السخاوي : بأنهم أعرضوا عن هذا التقييد ، لأن وقوع مثل هذه الحالة نادر.

القول الثالث :
فهو: ما انقطع إسناده بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه .وهذا قول الخطيب البغدادي في الكفاية ،بل وصرح بذلك وعَرَّفَه في كتابه الفقيه والمتفقِّه بقوله : (هو ما انقطع إسناده ، وهو أن يروي المحدِّث عمن

لم يسمع منه ، أو يروي عمن سَمِعَ ما لم يَسْمَع منه ، ويترك اسم الذي حدَّثه به فلا يذكره).
وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمة المحدثين كما قال السخَّاوي في (فتح المغيث ): أبو حاتم الرازي ، وابنه عبد الرحمن "ابن أبي حاتم" ، وأبو زُرْعَة الرازي ، والبخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، والدار قطني ، والبيهقي.
واختاره أيضا ابن عبد البر في التمهيد فقال . (المنقطع عندي كل ما لا يتصل سواء كان يعزى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى غيره).
وهو ماعلية جمهور الفقهاء والأصوليين ،حيث قال الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم : (أما المرسل فهو عند الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب الحافظ أبي بكر البغدادي وجماعة من المحدثين (ما انقطع إسناده على أي وجه كان انقطاعه) فهو عندهم بمعنى المنقطع.

المطلب الثالث :الترجيح .

والذي يظهر والله اعلم الذي نقله الحاكم عن جمهور أهل الحديث أن المرسل: مارفعه التابعي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مطلقا سواء أكان كبيرا أو صغيرا .فمظنة سماع التابعي الصغير من الصحابي متحققة .

كبار التابعين أمثال :
عبيد الله بن عدي بن الخباز ، وقيس بن اب يحازم ، وسعيد ابن المسيب .
صغار التابعين أمثال :
الزهري ، وأبي حازم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري

المطلب الرابع :
الأمثلة:
1- ما أخرجه مالك في الموطأ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ."
فسعيد بن المسيب تابعيٌّ كبيرٌ، روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون أن يذكر الواسطة بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم، فقد أسقطَ من إسناد هذا الحديث آخِرَهُ وهو من بعد التابعي ، وأقلُّ هذا السقط أن يكون قد سقط الصحابي ويحتمل أن يكون قد سقط معه غيره كتابعيٍّ .
2- ما أخرجه الترمذي قال : حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان عن أبي إسحق عن نمير بن غريب عن عامر بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم : قال الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء
قال أبو عيسى هذا حديث مرسل عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم وهو والد إبراهيم بن عام القرشي الذي روى عنه شعبة و الثوري .

3 – ما أخرجه الترمذي في سننه قال : حدثنا قتيبة حدثنا ابن أبي فديك عن عبد العزيز بن المطلب عن أبيه عن جده عبد الله بن حنطب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى أبا بكر و عمر فقال هذان السمع والبصر
قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وهذا حديث مرسل و عبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم .

المبحث الثاني :حكم قبول الحديث المرسل :
المطلب الأول : التمهيد .
اختلف السادة المحدِّثون في قبول الحديث المرسل أو ردِّه ، وتعددت أقوالهم فيه ، ويرجع حاصلها إلى ثلاثة أقوال جامعة ، ، وسأسوق هذه الأقوال أولاً ، ثم أورد ما وقفت عليه من أدلة كل فريق ، وما يتبع ذلك من مناقشات واعتراضات وردود ،ثم اخلص بعد ذلك إلى الراجح من هذه الأقوال .

المطلب الثاني :
أقوال العلماء في قبول المرسل :
القول الأول :تضعيف الحديث المرسل مطلقا وعدم قبوله .
وهو قول ابن المسبب والزهري والأوزاعي ومن بعدهم من فقهاء الحجاز . . " وهو الذي عليه جمهور أهل الحديث أو كلهم فهو قول عبد الرحمن ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وعامة أصحابهما كابن المديني وأبي خيثمة زهير بن حرب ويحيى بن معين وابن أبي شيبة ثم أصحاب هؤلاء كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وهذه الطبقة ثم من بعدهم كالدار قطني والحاكم والخطيب والبيهقي ومن يطول الكلام بذكرهم ممن صنف في الأحكام فقل من يدخل منهم في كتابه المراسيل إذا كان مقصورا على إخراج الحديث المرفوع .
قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه الصحيح في أثناء كلام ذلك على وجه الإيراد وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ في أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وهذا ماعلية الإمام احمد بن حنبل , وبه قال الحاكم ، وابن الصلاح ، والعراقي ، وهو ماعليه جمهور أهل الحديث .

القول الثاني :
القبول مطلقا ،وانه و صحيح يحتج به ، وهو عند– أبي حنيفة وجمهور أصحابهما و ومالك بن انس , وأحد الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله ،وقال به أكثر المعتزلة ،وطائفة من العلماء بشرط أن يكون المرسل ثقة ولا يرسل الاعن ثقة .
ولهم في ذلك خمسة أقوال وهي :
1- القبول مطلقا في جميع الأعصار والأمصار ، وهذا القول ذهب إليه متأخري الحنفية ، واختاره الآمدي من الشافعية في الأحكام , ومن الحنابلة القاضي أبي يعلى .

2- قبول مراسيل أهل القرون الثلاثة الفاضلة دون من بعدهم ,وهو اختيار أكثر الحنفية .

3- قبول مراسيل التابعين وأتباعهم مطلقا , إلا أن يكون المرسل عرف بالإرسال من غير الثقات فإنه لا يقبل مرسله ، وأما بعد العصر الثالث فان كان المرسل من أئمة النقل قبل مرسله وإلا فلا .وهذا القول لأبي حنيفة , وعيسى بن ابان , واختاره أبو بكر الجصاص ، والبزدوي ، وغالب متأخري الحنفية .
4- قبول مراسيل التابعين على اختلاف طبقاتهم دون من بعدهم ، وهو قول الإمام مالك وجمهور أصحابه , وإحدى الروايتين عن الإمام احمد بن حنبل ، وكل من تقبل المرسل من أهل الحديث .
5- قبول مراسيل كبار التابعين وردّ ماعداها , حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم .

والذي يظهر من خلا استعراض هذه الأقوال أن من قال بقبول الحديث المرسل هم الفقهاء والأصوليون ، وذلك لأنهم ينظرون إلى الحديث من حيث صحة ذلك المعنى والاحتجاج به في الأحكام .
أما الحفاظ المحدثون فيريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا , وهو ليس بصحيح على طريقتهم , لانقطاعه وعدم اتصال إسناده .


القول الثالث :
قبول المرسل من كبار التابعين بشروط ، وهذا قول الإمام الشافعي وبعض أهل العلم ، وهذه الشروط أربعة ؛ثلاثة في الراوي المرسِل , وواحد في الحديث المرسَل وهي :

1- أن لايعرف له – أي الراوي – رواية عن غير مقبول الرواية .
2- أن لا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا اسند الحديث فيما أسندوه .
3- أن يكون من كبار التابعين ، فإنهم لا يرون غالبا الاعن صحابي ، أو تابعي كبير .
4- وهذه في الحديث المرسَل ، وذلك ان يعضده مايدل عل صحته ، وان له أصلا وذلك من خلال :
أ‌- أن يروى الحديث من وجه آخر مسندا .
ب‌- أو يروى من وجه آخر مرسلا أرسله من اخذ العلم عن غير رجال المرسِل الأول .
ج- أو يوافق قول الصحابي .
د- أو يفتي بمقتضاه أكثر أهل العلم .

وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، وَلَكِنْ يَتَطَلَّبُ فِيهِ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ ، لِيَحْصُلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي الثِّقَةِ ، وَاسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي قَبُولِ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ المسبب ، وَاسْتِحْسَانِهِ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَرَأَى أَنَّ الرَّاوِيَ الْمَوْثُوقَ بِهِ ، الْعَالِمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إذَا قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَأَرْضَاهُ ، يُوجِبُ الثِّقَةَ بِحَدِيثِهِ ، وَإِنْ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، تَوَقَّفَ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّاوِي : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَهَذَا بَالِغٌ فِي ثِقَةِ مَنْ رَوَى لَهُ .
قَالَ : وَقَدْ عَثَرْت فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُرْسَلَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى الْإِجْمَالِ ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ ، فَكَانَ إضْرَابُهُ عَنْ الْمُرْسَلِ فِي حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمَسَانِيدِ عَلَيْهَا .
وجاء عن البعض من الشافعية قولهم :ان الشافعي يرد الحديث المرسل على الإطلاق منهم : ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، ابْنُ الصَّبَّاغِ ، الْغَزَالِيُّ , ابْنُ بَرْهَانٍ ، حيث أنهم اخذو يدافعوا وينافحوا عن مذهب الإمام الشافعي في قبول المرسل .
إلا أنًّ الظاهر من كلام الشافعي في الرسالة انه يقبل المرسل بالشروط التي ذكرت آنفاً, وكل ما ذُكر خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ .

المطلب الثالث :
أدلة القائلين بقبول المرسل :
1- قالوا أن الراوي الثقة لا يسعه حكاية الحديث بصيغة الجزم عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن من سمعه منه ثقة .
2- إن الظاهر من حال التابعين أنهم اخذوا عن الصحابة , وهم عدول لا يضر جهالة أعيانهم .
3- إن أهل تلك القرون كان غالب حالهم الصدق والعدالة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بذلك , فحيث لم نطلع على مايجرح الراوي فالظاهر انه عدل مقبول.
4- لو كان حكم المتصل والمنقطع مختلفا ,لألزموا أنفسهم التحفظ من رواية كل مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينوا ذلك لأتباعهم .

المطلب الرابع :
مناقشة الأدلة :
أما ماقيل في الدليل الأول فنقول ماقاله ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي عندما ذكر ضابط التفاوت بين المراسيل حيث قال :
أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه ، بل يسميه ، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي ، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيراً ، يكنون عن الضعيف ولا يسمونه ، بل يقولون : عن رجل )) . وهذا معنى قول القطان : (( لو كان فيه إسناد لصاح به )) . يعني لو كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه .
أما الدليل الثاني : فنحن نجهل بعدالة الراوي , ولربما روى التابعي عن تابعي آخر وأسقطه لضعف فيه .
يقول العلائي : العلة في رد المرسل إنما هي الجهل بعدالة الراوي.
وقال ابن عبد البر : وحجتهم في رد المراسيل ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر وأنه لا بد من علم ذلك فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة اذ قد صح ان التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف وغير الضعيف فهذه النكتة عندهم في رد المرسل .
أما قولهم : لو كان حكم المتصل والمنقطع مختلفا ,لألزموا أنفسهم التحفظ من رواية كل مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينوا ذلك لأتباعهم ، يقول الخطيب في الكفاية :" قال بعض من احتج بصحة المراسيل لو كان حكم المتصل والمنقطع مختلفا لبينه علماء السلف ولألزموا أنفسهم التحفظ من رواية كل مرسل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبينوا ذلك لأتباعهم بل كان المنقطع عند أهل النظر أبين حجة وأظهر قوة من المتصل فان من وصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإسناد إذا كان لما سمع مؤديا والى الأمة ما حمل مسلما وإذا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كان للشهادة قاطعا ولصدق من رواه له ضامنا ولا يظن بثقة عدل ان يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا لتلقيه خبرا متواطئا وهذا الكلام غير صحيح فاما قوله لو كان حكم المتصل والمنقطع مختلفا لبينه علماء السلف ولألزموا أنفسهم التحفظ من رواية كل مرسل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبينوا ذلك لأتباعهم فانا نقول انهم قد بينوا اختلاف المتصل والمنقطع هذا بن شهاب الزهري يقول لإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ما أخبرنيه محمد بن الحسين القطان قال أنا دعلج بن أحمد قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال ثنا علي بن حجر عن عتبة بن أبي حكيم قال جلس إسحاق بن أبي فروة الى الزهري فجعل يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الزهري ما لك قاتلك الله تحدث بأحاديث ليس لها أزمة وروى عن غير بن شهاب شبيه بهذا المعنى ."

المطلب الخامس :
أدلة القائلين برد الحديث المرسل :
والدليل أنه لو ذكر شيخه ولم يعدله وبقي مجهولا عندنا لم نقبله فإذا لم يسمه فالجهل أتم فمن لا يعرف عينه كيف تعرف عدالته فإن قيل رواية العدل عنه تعديل فالجواب من وجهين الأول أنا لا نسلم فإن العدل قد يروي عمن لو سئل عنه لتوقف فيه أو جرحه وقد رأيناهم رووا عمن إذا سئلوا عنه عدلوه مرة وجرحوه أخرى أو قالوا لا ندري فالراوي عنه ساكت عن تعديله ولو كان السكوت عن الجرح تعديلا لكان السكوت عن التعديل جرحا ولوجب أن يكون الراوي إذا جرح من روى عنه مكذبا نفسه ولأن شهادة الفرع ليس تعديلا للأصل ما لم يصرح وافتراق الرواية والشهادة في بعض التعبدات لا يوجب فرقا في هذا المعنى كما لم يوجب فرقا في منع قبول رواية المجروح والمجهول وإذا لم يجز أن يقال لا يشهد العدل إلا على شهادة عدل لم يجز ذلك في الرواية ووجب فيها معرفة عين الشيخ والأصل حتى ينظر في حالهما فإن قيل العنعنة كافية في الرواية مع أن قوله روى فلان عن فلان عن فلان يحتمل ما لم يسمعه فلان عن فلان بل بلغه بواسطة ومع الاحتمال يقبل ومثل ذلك في الشهادة لا يقبل قلنا هذا إذا لم يوجب فرقا في رواية المجهول والمرسل مروي عن مجهول فينبغي أن لا يقبل ثم العنعنة جرت العادة بها في الكتبة فإنهم استثقلوا أن يكتبوا عند كل اسم روي عن فلان سماعا منه وشحوا على القرطاس والوقت أن يضيعوه فأوجزوا وإنما يقبل في الرواية ذلك إذا علم بصريح لفظه أو عامته أنه يريد به السماع فإن لم يرد السماع فهو متردد بين المسند والمرسل فلا يقبل
الجواب الثاني أنا إن سلمنا جدلا أن الرواية تعديل فتعديله المطلق لا يقبل ما لم يذكر السبب فلو صرح بأنه سمعه من عدل ثقة لم يلزم قبوله وإن سلم قبول التعديل .
والأدلة هي :
1- النظر للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون غير صحابي وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفا وإن اتفق أن يكون المرسل لا يروى إلا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف ,ولأنه إذا كان المجهول المسمى لا يقبل فالمجهول عينا وحالا أولى .

2- أنَّ الذي درج عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، هو الاحتياط في قبول الأخبار ، ونقدها ، والنظر في اتصالها ، وقد ورد عنهم أخبار كثيرة تدل على ذلك ، فمن ذلك أنه قد ثَبَتَ عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: (كنت إذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به ، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر).

3- قال ابن عبد البر في التمهيد : (وحجتهم في رَدَّ المرسَل: ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المُخْبِر ، وأنه لا بد من علم ذلك . فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بُدُّ من معرفة الواسطة . إذ قد صح أن التابعين أو كثيراً منهم رووا عن الضعيف وغير الضعيف ، فهذه النكتة عندهم في رَدَّ المرسَل . لأن مرسِلَه يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله ، وممن لا يجوز ، ولا بد من معرفة عدالة الناقل ، فبطل لذلك الخبر المرسَل للجهل بالواسطة).
4- قال النووي في المجموع: (ودليلنا في ردَّ المرسَل مطلقاً أنه إذا كانت رواية المجهول المُسَمَّى لا تقبل لجهالة حاله ، فرواية المرسَل أولى . لأن المرويَّ عنه محذوف مجهول العين والحال).
5- قال الخطيب : ولو كان حكم المتصل والمرسل واحدا لما ارتحل كتبة الحديث وتكلفوا مشاق الأسفار الى ما بعد من الأقطار للقاء العلماء والسماع منهم في سائر الآفاق .
، عندما قال في آخر ما نقلناه عنه : وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمى . وإن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله ، فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا من حيث لو سمى لم يقبل ، وإن قول بعض الصحابة ، إذا قال لو وافقه يدل على صحة المخرج ، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول الصحابي يوافقه ، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء ، وقال الشيخ أحمد شاكر معلقا : " يريد بيان المعنى الذي كان عنه المنقطع مغيبا مع ترجيح المنقطع عن كبار التابعين إذا وافقه قول بعض الصحابة فيأتي بوجهي الاحتمال الأول : أن موافقة قول الصحابي يدل دلالة قوية على صحته ، والثاني يمكن أن يكون التابعي سمع الخبر ممن لو سمى لم يقبل فلما رأى قول الصحابي يوافقه غلط فيه فظنه أمارة صحته ، فرواه على الإرسال ، ولم يسم من حدثه إياه
أما إذا عضد بمسند جاء من طريق آخر ، فلا يخلو إن كان المسند صحيحا صار ( أي المسند والمرسل ) أقوى من صحيح جاء من طريق واحد ، كما قال العراقي :
فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل : دليلان به يعتضد
أي فإن قيل : قولكم يقبل المرسل إذا جاء مسندا من وجه آخر لا حاجة حينئذ إلى المرسل ، بل الاعتماد حينئذ على الحديث المسند ، والجواب أنه بالمسند تبينا صحة المرسل ، وصارا دليلين يرجح بهما عند معارضة دليل واحد ، فقوله : " به " أي بالمسند يعتضد المرسل (2)
، وأما إذا كان العاضد مسندا ضعيفا أو مرسلا آخر من غير طريق الأول وغيرهما مما ذكره الشافعي فإنه يحتج به ؛ لأنه صار في مرتبة الحسن ، كما قال ابن الصلاح في الحسن : الحسن يتقاصر عن الصحيح . من شرطه أن يكون رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم . . . وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من مجيء الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه ، وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل إذا جاء نحوه مسندا ، وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام له .
وقال ابن الصلاح أيضا : " ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت . . . وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر (7) ، اهـ . وهذا ما اعتمده النووي ، وقال العراقي في منظومته :
لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه .






المطلب السادس :
الراجح :
بعد هذه الجولة في مذاهب العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل وعدمه وعرض أدلتهم يتبين قوة مذهب جمهور المحدثين في عدم الاحتجاج بالمرسل ؛ وذلك لجهالة عين الراوي المحذوف فضلا عن جهالة حاله ،فإذا كان المجهول المسمى لا يقبل فالمجهول عينا وحالا أولى .

























المبحث الثالث :
تعارض الوصل والإرسال:
قال ابن الصلاح (رحمه الله تعالى) في مبحث الانقطاع: الخامس من فروع الانقطاع:
الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا ، اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول، أوبقبيل المرسل، مثاله : "لا نكاح إلا بولي".
رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسنداً هكذا متصلاً، ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلاً هكذا .
إن الحديث إذ رُوِيَ مرسلاً مرة ، وروي موصولاً مرة أخرى ، فهذا يعد من الأمور التي تُعَلُّ بها بعض الأحاديث ، ومن العلماء من لا يعد ذلك علة.
فقد يكون منشأ هذا الاختلاف هو الراوي الواحد نفسه ، إذ إنه قد يروي الحديث موصولاً في وقت ، ويرسله في وقتٍ آخر ، ولا ريب أن ذلك التعارض يتطلب النظر في الأسانيد ، والتفتيش في أحوال الرواة للتوصل إلى معرفة الراجح من ذلك ، وقد اختلفت أقوال العلماء فيما ينبغي إذا تعارض الحديث وصلاً وإرسالا.
وتفصيل هذه الأقوال في ذلك على ما يلي :
القول الأول : ترجيح الرواية الموصولة على الرواية المرسلة ، لأنه من قبيل زيادة الثقة ، وزيادة الثقة يجب قبولها ، ولأن الإرسال لا يقدح في الوصل ، لاحتمال أن يكون الذي أَرْسَلَ فَعَلَ ذلك ناسياً أو لغرض ، ولأن الراوي الواصل معه زيادة علمٍ على من أرسل.
وذهب إلى تصحيحه الخطيب في الكفاية ، وابن الصلاح في علوم الحديث ، ونَسَبَ الإمام النووي هذا القول للمحققين من أهل الحديث في شرح صَحِيْح مسلم ، ثم إن هذا القول هو الذي صححه العراقي في شرح التبصرة .

القول الثاني : ترجيح الرواية المرسلة على الرواية الموصولة ، لأن سلوك غير الجادة دالٌّ على مزيد التحفظ ، ولأَنَّ الإرسال نوعُ قدحٍ في الحديث ، فذهبوا إلى ترجيحه وتقديمه لأنه من قبيل تقديم الجرح على التعديل.
وهذا القول عزاه الخطيب في الكفاية: لأكثر من أهل الحديث.

القول الثالث : الترجيح للأحفظ ، من وَصْلٍ أو إرسال،وهو ظاهر كلام الإمام أحمد كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في (شرحه لعلل الترمذي ) ، وكذا ذهب إليه جماعة من أهل الحديث كما قال الخطيب في (الكفاية).

القول الرابع : لاعتبار لأكثر الرواة عدداً ، لأن تطرق السهو الخطأ إلى الأكثر أبعد. عزاه الخطيب في (الكفاية) لأئمة الحديث .
القول الخامس : التساوي بين الروايتين والتوقف. هذا القول ذكره السبكي في جمع الجوامع وَلَمْ ينسبه لأحد.

الراجح :
والذي قَرَّرَه المحققون من العلماء أَنَّ أئمةَ أهل الحديث لم يكونوا يلتزمون طريقاً واحداً في الترجيح . بل كانوا يرجحون ما تدلُ القرائن على ترجيحه.
قال ابن دقيق العيد كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في النكت : (من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم ، أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند ، أو رافع وواقف ، أو ناقص وزائد ، إن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق . فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً وبمراجعة أحكامهم الجزئية يُعرف صواب ما نقول).
وقال السخاوي في فتح المغيث : (الحق حسب الاستقراء من صنيع متقدَّمي الفن عدم اطراد حكم كلي، بل ذلك مع الترجيح ، فتارة يترجح الوصل ، وتارة الإرسال ، وتارة عدد الذوات على الصفات ، وتارة العكس ، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبيَّنَ له ذلك).





الفصل الثاني :مرسل الصحابي .
المبحث الأول : تعريف مرسل الصحابي

المطلب الأول:
من هو الصحابي :
بداية لابد من ذكر حد الصحابي حتى يتبين لنا من تدخل روايته في حد مرسل الصحابي ومن لا تدخل روايته ، وأجمع تعريف للصحابي هو تعريف الحافظ ابن حجر في الإصابة حيث يقول :(من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام .
فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن لم يره لعارض العمى.
وهذا القول قول البخاري ، وهو قول احمد والجمهور من المحدثين كما قال ابن حجر العسقلاني .

المطلب الثاني :
مرسل الصحابي :
وهو ما يرويه الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه منه ، إما لصغر سنه ,أو تأخر إسلامه , أو غيابه عن شهود ذلك .

وقد وقع ذلك من كثير من الصحابة ، وأكثره في صغارهم مثل : عبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك.
يقول الدكتور عبد الله الجديع :" صورة هذه المسألة صورة التدليس ، وذلك أن الصحابي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، ويروي عنه بالواسطة ، وتارة يسقطها ، وإسقاط الواسطة بين الراوي وشيخه تدليس . لكن هل يجوز إطلاق مثل ذلك على ما وقع صنيع الصحابة ؟ .
والتحقيق : أنه قبيح من جهة اللفظ أن ينسب للصحابة تدليس ، فلفظ التدليس وإن كان له معنى اصطلاحي يتناول ما نسميه بمراسيل الصحابة ، إلا أن الاصطلاح مُنشأ من قبلنا ، قصدنا به دفع ما وقع من الموصوفين بالتدليس من إسقاط الواسطة المجروحة ، مما يوهم سلامة الإسناد في الظاهر ، وهو أمرٌ حادث بعد الصحابة .

وقد صح عن البراء بن عازب ، قال : " ما كل ما نحدثكموه سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن حدثنا أصحابنا ، وكانت تشغلنا رعْية الإبل " .
وفي رواية ، عن البراء ، قال : " ما كل ما نُحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه ، ولكن سمعناه ، وحدثنا أصحابنا ، ولكنا لا نكذب.
وروى قتادة السدوسي عن أنس بن مالك قصة ، فقال له رجل : سمعت هذا من أنس ؟ قال : نعم ، قال رجل لأنس : أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " نعم ، وحدثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب " ( 582 ) .
قلت : فهذا يبطل وصف ما وقع من الصحابة من هذا القبيل بالتدليس ."

المطلب الثالث :
أمثلة على مراسيل الصحابة :

1- ما ذكره الدكتور نور الدين عتر في منهج النقد في علوم الحديث قال : "ما أخرجه أحمد والترمذي: عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، وعند رأسه مقعد رجل، فقام أبو جهل فقعد فيه، فقالوا: إن ابن أخيك يقع في آلهتنا. قال: ما شأن قومك يشكونك؟ قال: يا عم أريدهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي العجم إليهم الجزية. قال: ما هي؟ قال: لا إله إلا الله. فقاموا فقالوا: أجعل الآلهة إلاها واحدا.."
2- وأيضا مارواه أبو هريرة رضي الله عنه ، انه عليه الصلاة والسلام قال :"من أصبح جنبا فلا صوم عليه ". ثم قال بعد أن روجع فيه سمعته من الفضل .


المبحث الثاني :حكم مرسل الصحابي .
المطلب الأول : الأقوال والأدلة .

الفريق الأول :
المشهور الذي قطع به الجمهور: أن مرسل الصحابي صحيح محتج به،وهو في حكم الموصول المسند.

أدلة هذا الفريق :
لان روايتهم في الغالب عن الصحابة ، والجهالة بالصحابي غير قادحة ،ولان الصحابة كلهم عدول ،و لأن رواية الصحابة عن ‏التابعين نادرة، وإذا رووا عنهم بينوها .

الفريق الثاني:
إن مرسل الصحابي كمرسل غيره في الحكم .وهذا القول قال به أبو إسحاق الاسفرايني ,ولم ينفرد الاسفرايني في هذا القول فقد قال بذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ، والغزالي وابن الأثير وأبو الحسن بن القطان وابن برهان ونسبه القاضي عبد الجبار وابن بطال للشافعي ،لكن الصواب أن الشافعي يقول بحجية مرسل الصحابي .
وقال الغزالي:" التابعي والصحابي إذا عرف بصريح خبره أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله وإن لم يعرف ذلك فلا يقبل لأنهم قد يروون عن غير الصحابي من الأعراب الذين لا صحبة لهم وإنما ثبتت لنا عدالة أهل الصحبة."
فعلى ذلك إنه يكون حجة إذ عرف بصريح خبر الصحابي الذي أرسله أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صحابي وإن لم يعرف ذلك : فلا يكون حجة .

أدلة هذا الفريق :

وحجتهم في ذلك ليس الشك في عدالة الصحابي ، بل لأنه قد يروي الراوي منهم عن تابعي وعن أعرابي لا تعرف صحبته ولا عدالته فلذلك يجب العمل بترك مرسله للجهالة في حال الراوي الذي روى عنه الصحاب ، بل انه وجد لبعض الصحابة رضي الله عنهم أحاديث حدثهم بها جماعة من التابعين فرووها عنهم .
فالعلة اذا في رد مرسل الصحابي هو جهالة عين الراوي المحذوف فضلا عن جهالة حاله , فربما كان تابعيا ضعيفا .

المطلب الثاني :
مناقشة الأدلة :
قال السروجي في الغاية " من لم يجعل المرسل حجة لم يجعل مرسل الصحابي حجة إلا لأنه يحمل على السماع من رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا لم يعلم أنه سمعه لا يمكن حمله عليه لأنه يحتمل أن يكون سمعه من صحابي فيكون حجة أو من تابعي مجهول أو ضعيف فلا يكون حجة ولا يجعل حجة للشك والاحتمال قائم على أصلهم "
إذا نستطبع القول أن الجهالة في عين الراوي وحاله تدل دلالة كافية على عدم الاحتجاج بمرسل الصحابي إلا إذا بان حاله ، وذلك بأن نعرف انه لا يروي إلا عن صحابي .
أما الحديث عن عدالة الصحابي فنحن لا نشك في عدالتهم لكن من يضمن لنا أن من لم يُسمى هو صحابي ، أما قول أن رواية التابعي عن الصحابي نادرة ، فلعله يكون هذا الحديث من النادر الذي استثنيناه فقد ثبت أن بعض الصحابة روو عن التابعين ومن الأمثلة على ذلك :
1- ورد أن ابن عباس رضي اله الله عنه اخذ عن كعب الأحبار . ذلك ما رواه الدارمي مِنْ طريقِ ِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبَ الأَحْبَارِ : كَيْفَ تَجِدُ نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ ؟
فَقَالَ كَعْبٌ : نَجِدُهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُولَدُ بِمَكَّةَ ، وَيُهَاجِرُ إِلَى طَابَةَ وَيَكُونُ مُلْكُهُ بِالشَّامِ ، وَلَيْسَ بِفَحَّاشٍ ، وَلاَ صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ ، وَلاَ يُكَافِئُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ سَرَّاءٍ وَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ نَجْدٍ يُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ وَيَأْتَزِرُونَ فِى أَوْسَاطِهِمْ يَصُفُّونَ فِى صَلاَتِهِمْ كَمَا يَصُفُّونَ فِي قِتَالِهِمْ ، دَوِيُّهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُسْمَعُ مُنَادِيهِمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ .
2- أخرج الترمذي :حدثنا عبد بن حميد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب حدثني سهل بن سعد قال : رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله } قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال يا رسول الله والله لو استطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت حتى همت ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عليه { غير أولي الضرر } .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
هكذا روى غير واحد عن الزهري عن سهل بن سعد نحو هذا ,وروى معمر عن الزهري هذا الحديث عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت .
وفي هذا الحديث رواية رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من التابعين رواه سهل بن سعد الأنصاري عن مروان بن الحكم و مروان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو من التابعين .
قلتُ : يذكر علماء الحديث هذا المثال تحت نوع : (( رواية الأكابر عن الأصاغر )) .
قال ابن الصلاح : " ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي: كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار ] .
من خلال هذه الأمثلة وما قال ابن الصلاح ندرك انه توجد روايات من الصحابة عن التابعين صحيح أنها قليلة ونادرة ,ولكن النادر ربما يقع ولا نعرف أين هو ، فمن باب الاحتياط لحديث الرسول لا نقبل هذا الحديث حتى يأتينا خلاف ذلك .

المطلب الثالث :
الراجح :
انه من خلال مناقشة أدلة القائلين بقبول مرسل الصحابي على الإطلاق ,فانا لانسلم لهم هذا القول إذا لا يخلو مرسل الصحابي أن يكون قد روي عن تابعي لا نعرفه ، وهو مجهول فالجهالة مؤثرة في الحكم بالقبول على الإطلاق على الإطلاق , ، فقول من قال أن مرسل الصحابي كغيره من المراسيل هو الأقرب إلى الصواب والله تعالى اعلم ، فإذا علم انه لا يروي إلا عن صحابي ، وإذا كان هذا الحديث قد سلم متنه من معارضة حديث آخر صحيح أي لم يكن فيه طعنا في متنه فلا مناص إذا من قبول مرسل الصحابي والاحتجاج به .

يقول الإمام الغزالي :" التابعي والصحابي إذا عرف بصريح خبره أو بعادته انه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله ، وان لم يعرف ذلك فلا يقيل لأنهم قد يرون عن غير الصحابي من الأعراب "
والسؤال لماذا نبحث عن مرسل الصحابي ، ونريد ان نعرف هل روى الصحابي عن صحابي اخر ام عن تابعي ام انه استقل في الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا شك ان ذلك له اهمية ولعدة اسباب وهي :
1- من اجل التحقق ،فمعرفة مخارج الحديث وتعدده تساعدنا في الحكم على صحة الحديث بالعاضد من حيث انه يوجد له شواهد أم لا .
2- حتى يتميز الحديث المتواتر والمشهور من غيرها ، فلا بد من معرفة مخرج كل حديث فحتى لا نحكم على حديث انه مشهور او متواتر ,وربما كان لا يصل حد الشهرة والتواتر من خلال اتحاد المخرج .





















المطلب الرابع :
الجهالة :

ـ المجهول اصطلاحاً:
قسم علماؤنا ـ في أغلب كتب المصطلح ـ المجهول إلى ثلاثة أقسام:
1ـ مجهول العين، وعرفه الخطيب البغدادي: (( من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد )).
أما ابن حجر فيعرفه بقوله: (( من لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق )).
2ـ مجهول الحال: عرفه ابن الصلاح: هو مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً، وقد روى عنه اثنان فصاعداً . وعرفه ابن حجر: من روى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثق، قال: فهو مجهول الحال، وهو المستور.
3ـ المستور: عرفه ابن الصلاح فقال: (( هو الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر.
يقول الدكتور : وقد فصلت القول في هذه التعريفات في بحث خاص فلا أكرره هنا، مبيناً ثمة الفرق بين عدالة الظاهر والباطن والراجح في مسألة التفريق بين مجهول الحال والمستور، وسيأتي في سياق البحث التفصيلي هذا بيان لبعض المسائل قدر تعلقها بالموضوع.




الفصل الثالث : المرسل الخفي :
المبحث الأول :تعريف المرسل الخفي :

المطلب الاول :
المرسل الخفي لغة :

المرسل الخفي :اسم علم مركب ، فإذا أردنا معرفة معناه اللغوي يجب تفكيك تركيبه ، وتعريف كل طرف على حدة.
المرسل لغة : سبق أن تناولت تعريفه أثناء الحديث عن المرسل يرجع إليه .

الخفي لغة : أما اللفظ الآخر لمسمى هذا العلم المركب ، وهو الخفي .
يقول ابن فارس في معجم المقاييس :" (خفي) الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر، والثاني الإظهار.
فالأوّل خَفِيَ الشَّيءُ يخفَى؛ وأخفيته، وهو في خِفْيَة وخَفاءٍ، إذا ستَرْتَه، ويقال للرّجُل المستترِ مستخْفٍ.
والأصل الآخر خفا البرقُ خَفْواً، إذا لمع، ويكون ذلك في أدنى ضعف. ويقال خَفَيْتُ [الشَّيءَ] بغَيْر ألِفٍ، إذا أظهرتَه. وخَفَا المطَرُ الفَأر من جِحَرَتهنّ: أخْرجَهن.
والخافي ، والخفا ،الذي لم يظهر .

المطلب الثاني :
تعريف المرسل الخفي اصطلاحا :
هذا بالنسبة للتعريف اللغوي لطرفي المصطلح ،أما عن تعريفه الاصطلاحي فسأرجع إلى تعريف العلماء السابقين له وذلك من خلال التسلسل الزمني لظهور هذا المصطلح .

يقول الشريف العوني في كتابه المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس :" من خلال قراءتي الشاملة لكتب المراسيل الموجودة ،مطبوعها وما وقفت عليه من مخطوطات ،وجل كتب علم الرجال والتراجم ،لم أجد _ استقراء _ أن أحدا من المتقدمين المصنفين في المراسيل ، والتواريخ ، والجرح والتعديل ، والعلل ،وعلوم السنة ، استخدم لفظ ( الإرسال الخفي ) في شئ من كلامه ، ولا مايشابهه او يقاربه !.
فلو كان مصطلح الإرسال الخفي موجود كمصطلح ، فأين هو في مصنفات القوم ؟ ولماذا لم يرد لفظه على لسان احمد ، وابن معين ، وابن المديني ، والبخاري ، وأبي حاتم ، وابنه , وابن أبي زرعه والدار قطني وغيرهم ."
وبعد الاطلاع على بعض مصنفات السابقين أقول : إن ماذكره الكاتب صحيح فهذا المصطلح لم يكن موجودا عند العلماء السابقين وان أول من أحدثه هو ابن الصلاح رحمه الله .

وقد رد ابن جماعة على ابن الصلاح فيما اسماه الإرسال الخفي وقال : ما هو إلا انقطاع خفي.
ويقول الشريف :" وهذا الحاكم أبو عبد الله في كتابه ( معرفة علوم الحديث ) يذكر احد الأمثلة التي ذكرها ابن الصلاح قي(الإرسال الخفي )، يذكره الحاكم في نوع ( المنقطع ) ثم يشيد الحاكم بعلم المنقطع وانه علم لا يقف عليه إلا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة ,كما قال الحاكم .

ولذا سأسوق تعريف مصطلح المرسل الخفي من ابتداء من ابن الصلاح .

المسألة الأولى :
المرسل الخفي عند ابن الصلاح :
قال ابن الصلاح في علوم الحديث :" والمذكور في هذا الباب منه ما عرف فيه الإرسال بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه أو عدم اللقاء كما في الحديث المروي عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قال بلال : قد قامت الصلاة نهض وكبر . روي فيه عن ( أحمد بن حنبل ) أنه قال : العوام لم يلق ابن أبي أوفى
ومنه ما كان الحكم بإرساله محالا على مجيئه من وجه آخر بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعى فيه الإرسال كالحديث الذي سبق ذكره في النوع العاشر : عن عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق فإنه حكم فيه بالانقطاع والإرسال بين عبد الرزاق والثوري لأنه روي عن عبد الرزاق قال : حدثني النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري عن أبي إسحاق وحكم أيضا فيه بالإرسال بين الثوري وأبي إسحاق لأنه روي عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق ": .

قال ابن الصلاح في بداية حديثه عن الارسال الخفي :" أن عمدته في ذلك هو الخطيب البغدادي

نستطيع من خلال هذه الأمثلة التي ساقها أن الصلاح بيان الإرسال الخفي ، وقد اشتملت هذه الأمثلة على صور ثلاثة من الانقطاع وهي ( رواية الراوي عمن لم يعاصره ) و( رواية المعاصر عمن لم يلقه ) و( رواية الراوي عمن سمع منه مالم يسمع منه ) .
فما هو تعريف الإرسال الخفي المستخلص من هذه الأمثلة التي ساقها ابن الصلاح ؟.
والجواب أن الإرسال الخفي عند ابن الصلاح هو : : كل انقطاع خفي , كذا على الإطلاق , بلا قيد إدراك أو عدم إدراك ، وبلا شرط لقاء عدم اللقاء .
وظاهر من تعريف " الإرسال الخفي " المستنبط من الفصل الذي عقده ابن الصلاح له , انه قسم من أقسام الانقطاع ,لكنه يختص بالانقطاع الخفي الذي يخشى اتصاله .

المسألة الثانية :
المرسل الخفي عند النووي :
قال النووي في التقريب :"وهو ما عرف إرساله بعدم اللقاء أو السماع"
نرى أن النووي قد قلد ابن الصلاح في تعريفة للمرسل الخفي في كل ما قال ،ولم يفارقه الا بشي من الاختصار .

المسألة الثالثة :
ابن جماعة :
قلنا قبل ذلك أن ابن جماعة لم يرض بذلك المسمى الذي جاء به ابن الصلاح " الإرسال الخفي "وإنما عده وضمه إلى المنقطع كنوع من أنواعه .
ولكنه تابع ابن الصلاح في تعريفه لتدليس الإسناد ، حيث قال :"هو أن يروي عمن لقيه ،أو عاصره ,مالم يسمع منه ,موهما انه سمعه منه "

المسألة الرابعة :
المرسل الخفي عند العراقي :
يقول العراقي في شرح التبصرة :" ليسَ المرادُ هُنا بالإرسالِ ما سقطَ منهُ الصحابيُّ ، كما هو المشهورُ في حدِّ المرسلِ . وإنَّمَا المرادُ هُنا : مُطلقُ الانقطاعِ .
ثُمَّ الإرسالُ على نوعينِ : ظاهرٌ ، وخفيٌّ .
فالظاهرُ: هو أَنْ يرويَ الرجلُ عَمَّنْ لم يعاصرْهُ بحيثُ لا يشتبهُ إرسالُهُ باتصالِهِ على أهلِ الحديثِ ، كأنْ يرويَ مالكٌ - مثلاً - عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ ، وكحديثٍ رواهُ النسائيُّ من روايةِ القاسمِ بنِ محمدٍ ، عن ابنِ مسعودٍ ، قالَ: أصابَ النبيُّr بعضَ نسائِهِ ، ثُمَّ نامَ حَتَّى أصبحَ ،… الحديثَ . فإنَّ القاسمَ لَمْ يُدْرِكِ ابنَ مسعودٍ .
والخفيُّ : هو أنْ يرويَ عمَّنْ سمعَ منهُ ما لم يسمعْهُ منهُ ، أوْ عمَّنْ لقيَهُ ولم يسمعْ منه ، أوْ عمَّنْ عاصرَهُ ولم يلقَهُ ، فهذا قد يخفى على كثيرٍ من أهلِ الحديثِ، لكونِهِما قد جمعَهُما عصرٌ واحدٌ. وهذا النوعُ أشبهُ برواياتِ المدَلِّسِينَ . وقد أفردَهُ ابنُ الصلاحِ بالذِّكْرِ عن نوعِ المرسلِ ، فتبعتُهُ على ذلكَ .
كذا يحرر العراقي نوع الإرسال الخفي ,فيخرج بنحو ما استبطناه من الأمثلة ودراسة الإرسال الخفي عند ابن الصلاح .
ثم يختم العراقي كلامه هذا بما يشعر انه غير مقتنع بإفراد (الإرسال الخفي ) في نوع مستقل ،ويشير إلى قوة علاقته بالتدليس أو الإرسال ثم يكاد يصرح بأنه مجرد مقلد لابن الصلاح في إفراده الإرسال الخفي بنوع خاص ،حيث يقول :
"وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين ، وقد افرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل ،فتبعته على ذلك ."

المسألة الخامسة :
المرسل عند ابن حجر العسقلاني :
قال ابن حجر في تعريفه للمرسل الخفي :" وكَذا المُرْسَلُ الخَفِيُّ إِذا صَدَرَ مِنْ مُعاصِرٍ لَمْ يَلْقَ مَن حَدَّثَ عنهُ ، بل بينَه وبينَه واسِطةٌ ."
فهذا التعريف لابن حجر هو عين تعريف ابن الصلاح لتدليس الإسناد في شطره الثاني حيث يقول ابن الصلاح :"تدليس الإسناد : هو ان يروي عمن لقيه مالم يسمع منه ،موهما انه سمع منه ،أو عمن عاصره ولم يلقه موهما انه قد لقيه ."
فقد عد ابن الصلاح رواية المعاصر عمن لقيه نوع من أنواع التدليس ،وقد افرد ابن الصلاح للإرسال الخفي نوع خاص منفصل عن التدليس ، ذكر فيه أمثلة بين فيها الإرسال الخفي ولم يسق له تعريفا .



الخلاصة : أقول أن مصطلح المرسل الخفي لم يكن موجودا عند من سبق ابن الصلاح وإنما كانوا يعدوه نوع من أنواع المنقطع ، وان أول من احدث هذا المصطلح هو ابن الصلاح ، ولقد مزج ابن الصلاح بين التدليس والإرسال الخفي ، كما جاء في تعريفة لتدليس الإسناد .

ثم جاء بعد ابن الصلاح خلق كثير من العلماء منهم من اتبع ابن الصلاح في تعريفه ومنهم من ذكر هذا المصلح ولم يوافقه على ذلك واعتبروه كما اعتبره الأقدمون نوع من أنواع المنقطع .
حتى جاء ابن حجر ليعترض على ما ذكره ابن الصلاح ليقول : أن قول ابن الصلاح " عمن عاصره ولم يلقه "إنما هو ليس تدليسا ،بل هو الإرسال الخفي ،إذ قال : "والتحقيق فيه التفصيل :وهو أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس ،أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي ، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال ".

المطلب الثاني :
بم يعرف الإرسال الخفي :
يعرف الإرسال الخفي بأحد أمور ثلاثة وهي :
1- نص بعض الأئمة على أن هذا الراوي لم يلق من حدث عنه أو لم يسمع منه مطلقا .
2- إخباره عن نفسه بأنه لم يلق من حدث عنه أو لم يسمع منه شيئا .
3- مجيء الحديث من وجه آخر فيه زيادة شخص بين هذا الراوي وبين من روى عنه.
وهذا الأمر الثالث فيه خلاف للعلماء ,لأنه قد يكون من نوع "المزيد في متصل الأسانيد ".





المبحث الثاني :حكم الارسال الخفي والفرق بينه وبين التدليس .
المطاب الاول :
حكم المرسل الخفي :
الحديث المرسل الخفي ضعيف لأنه فقد شرط من شروط صحة الحديث وهو اتصال السند فهو منقطع السند .
المطلب الرابع :
الفرق بين المرسل الخفي وبين المدلس :
وسأسوق كلام الدكتور نور الين عتر في منهج النقد حيث يقول :"وأما الفرق بين المرسل الخفي وبين المدلس فوقع فيه كلام كثير لأئمة أصول الحديث، واختلفت فيه وجهاتهم، تبعا لاختلافهم حول ما يعتبر مندرجا في المدلس3.
ونقدم إليك هاهنا حاصل التفريق بينهما، وذلك من وجهين:
الأول: أن المدلس يروي عمن سمع منه أو لقيه ما لم يسمع منه بصيغة موهمة للسماع، وأما المرسل فإنه يروي عمن لم يسمع منه ولم يلقه إنما عاصره فقط. فهما متباينان.

الثاني: إن التدليس إيهام سماع ما لم يسمع، وليس في الإرسال إيهام، فلو بين المدلس أنه لم يسمع الحديث من الذي دلسه عنه لصار الحديث مرسلا لا مدلسا، نبه على ذلك النقاد المحققون كالخطيب البغدادي وابن عبد البر.
وكذلك فيما يرى من كان معروفا من أمره أن من يحدث عنه لم يسمع منه لاشتهار ذلك، أو اشتهار أنه سمع منه أحاديث، بعينها إذا لم يقصد الإيهام. فهذا ينبغي أن يكون مرسلا خفيا لا مدلسا. ويدل على ذلك أنهم لم يذكروا هذا النوع في المدلسين ولم يصفهم بالتدليس تلامذتهم ومن عرفهم من علماء الجرح والتعديل. ومن هنا ميز علماء الرجال بين الفريقين كما وجدناه في صنيع الحافظ العلائي وغيره، فإنهم ينبهون على المدلس أنه مدلس، ويصفون غيره بأنه "يرسل"، أو "كثير الإرسال".






الخاتمة
وفي ختام هذا البحث ، وبعد التطواف في علم من علوم الحديث ، وبعد التجوال مع العلماء الذين تكلموا عن المرسل وأنواعه ، ومدى حجيته , ورده ،اخلص إلى النتائج الآتية :

أولا : اختلف العلماء في حقيقة المرسل على عدة أقوال :
1- ذهب قوم إلى انه ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي صلى اله عليه وسلم .
2- وجمهور المحدثين على انه ما رفعه التابعي كبيراً أو صغيراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وهو الذي رجحته في هذا البحث .
3- أكثر علماء الأصول والفقه على انه ماسقط من سنده رجل سواء كان المرسل تابعيا أو من بعده .

ثانيا : جمهور الفقهاء على قبول الحديث المرسل والاحتجاج به .
ثالثا: أكثر علما الحديث وعلماء الأصول على رد الحديث المرسل وتضعيفه وعدم الاستدلال به ، وهو ما اخترته في هذا البحث .

رابعا : قبول مرسل التابعي الكبير بشروط وهو مذهب الإمام الشافعي .
خامسا : الجمهور الأعظم من أهل العلم على حجية مرسل الصحابي .
سادسا : خالف في حجية مرسل الصحابي وانه مثل باقي المراسيل بعض أهل العلم ، مثل الاسفرايني والباقلاني والغزالي ,وقد قمت بترجيح هذا الرأي للجهالة الحاصلة حتى ُيعلم عمن أرسل الصحابي .
سابعا : أول من احدث مصطلح المرسل الخفي هو إبن الصلاح ، أما العلماء السابقين له فلم يكن لهذا المصطلح أي ذكر عندهم , وإنما كانوا يعدون هذا النوع من المنقطع , وجاء بعض العلماء بعد ابن الصلاح ليحملوا هذا الرأي .
ثامنا : استقر تعريف المرسل الخفي على ما قاله ابن الصلاح ،
تاسعا :عدم حجية المرسل الخفي , وهو نوع من أنواع الحديث الضعيف .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1. إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار،المعجم الوسيط ، تحقيق: مجمع اللغة العربية ، دار الدعوة .
2. احمد بن حنبل ، مسند الإمام أحمد بن حنبل, تحقيق : شعيب الأرنؤوط وآخرون ، مؤسسة الرسالة ،ط2 1420هـ ، 1999م .
3. ابن جماعة , المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ، تحقيق : د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان , دار الفكر – دمشق , ط ا ، 1406ه .
4. أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني ,الإصابة في تمييز الصحابة, تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار الجيل – بيروت , الطبعة الأولى ، 1412ه.
5. ابن حجر العسـقلاني, تقريب التهذيب،- تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سـوريا، ط 2، 1986م.
6. ، ابن حجر العسقلاني ، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ، تحقيف : دعبداله بن ضيف الله الرحيلي ، مكتبة الملك فهد ، الرياض ، الطبعة الاولى ، 1422هـ 2001م
7. ، ابن حجر العسقلاني ، النكت على مقدمة ابن الصلاح ، تحقيق :ربيع بن هادي عمير ، المجلس العلمي إحياء التراث – المدينة المنورة ,ط1 ،1404مـ ،1984م .
8. ابن خزيمة ، صحيح ابن خزيمة ، محمد بن إسحاق بن خزيمة ، تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي - بيروت ، 1390 – 1970 .
9. ابن رجب الحنبلي , شرح علل الترمذي , تحقيق د:همام سعيد ،مكتبة الرشيد , الرياض , ط الثانية , 1421ه – 2001م .
10. ابن الصلاح ، علوم الحديث ، تحقبق الدكتور نور الدين عتر ,دار الفكر ،بيرويت ، 1406هـ 1986 .
11. ابن عبد البر ، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد , وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب ، 1387هـ .
12. ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة , تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر , 1399هـ - 1979م.
13. ابن منظور ، لسان العرب ، دار صادر – بيروت ، الطبعة الأولى ،.
14. الآمدي ، علي بن محمد أبو الحسن , الإحكام في أصول الأحكام ، تحقيق : د. سيد الجميلي , دار الكتاب العربي – بيروت ، الطبعة الأولى ، 1404هـ .
15. الترمذي ، الجامع الصحيح سنن الترمذي , تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون ،باب الصوم في الشتاء , رقم :797 ،: دار إحياء التراث العربي – بيروت..

16. الجويني ،البرهان في أصول الفقه , تحقيق:صلاح بن محمد بن عويضة ، دار الكتب العلمية ـ ـــ بيروت ، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م .
17. الحاكم النيسابوري ، معرفة علوم الحديث وكمية أجناسها ، ، تحقيق :احمد بن فارس السلوم ، دار ابن حزم ، بيروت ، الطبعة الأولى ،1424هـ 2003م .
18. لحسيني ، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق , تاج العروس من جواهر القاموس ، ، تحقيق مجموعة من المحققين ، دار الهداية
19. الخطيب البغدادي، الكفاية في قوانين الرواية، تحقيق : أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني، : المكتبة العلمية - المدينة المنورة .
20. ، الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه , تحقيق : عادل بن يوسف العزازي ، دار ابن الجوزي السعودية، 1417هـ .
21. الدارمي , سنن الدارمي ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي , خالد السبع العلمي , دار الكتاب العربي – بيروت ، الطبعة الأولى ، 1407 .
22. الراغب الأصفهاني ، المفردات في غريب القران الكريم ، تحقيق : محمد خليل عيتاني ، دار المعرفة : بيروت ، الطبعة الأولى ، 1418هـ’ 1998م ، .
23. تاج الدين السبكي ، جمع الجوامع في اصول الفقه , دار الكتيب العلمية –بيروت , ط2 ,1424هـ - 2003م .
24. السخاوي ، فتح المغيث شرح ألفية الحديث ، دار الكتب العلمية – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1403هـ.
25. السيوطي , تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي , تحقيق أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي , مكتبة الكوثر, الرياض , ط2 ,1415ه.
26. الشافعي ، الرسالة ، وتحقيق:أحمد شاكر ، مكتبه الحلبي، مصر ،الطبعة الأولى الأولى، 1358هـ/1940م.
27. الشريف بن حاتم العوني ، المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس ، دار الهجرة ، ط 1 ,1997م
28. دعبدالله يوسف الجديع , تحرير علوم الحديث ، مؤسسة الريان ,بيروت ,ط1 ,1424هـ - 2003م .
29. ، العراقي ، التقيد والإيضاح , دار الحديث .
30. الحافظ العراقي , شرح التبصرة والتذكرة, تحقيق : د. ماهر ياسين الفحل .
31. العلائي ، جامع التحصيل في أحكام المراسيل, تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي, عالم الكتب – بيروت , الطبعة : الثانية 1407 – 1986 .
32. الغزالي ، محمد بن محمد أبو حامد ، المستصفى في علم الأصول ، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، دار الكتب العلمية – بيروت ، لطبعة الأولى ، 1413 هـ .
33. مالك بن أنس ، الموطأ ، تحقيق : محمد مصطفى الأعظمي, مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان ، ط:1، 1425هـ - 2004م .
34. د :محمود الطحان , تيسير مصطلح الحديث , مكتبة المعارف – الرياض ,ط8 ،1407ه ,1987م .
35. مسلم بن الحجاج , صحيح مسلم, دار الجيل :بيروت .
36. ، د :نور الدين عتر ، منهج النقد في علوم الحديث , دار الفكر _بيروت ، ط 3 ،1997م .
37. يحيى بن شرف النووي ، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة االثانية ، 1392هــ .





.


.


هناك تعليق واحد: